الحكاية الاولى

" قصة باب زويله وطومان باى شهيد مصر "
كم اعشق هذا الحى ... حى الحضارة انها حضارة بجميع معانيها ومرادفتها فهى حضارة الخلافة الفاطمية ذات الاف ماذنة تشتهر بمساجدها المنتشرة فى اروقتها و هو من اقدم الاحياء بل المدن التاريخيه . وعلى الرغم من صغر مساحة هذا الحى الا ان كل جزء منه (مسجد ، بوابة ، أثر ، شياخه ، شارع ، حارة ، زقاق ، عاطفة ،درب ، ...) يذخر بقصص وحكايات عبر اكثر من 1000 سنه فهو مرجع تاريخى ولكن فى شكل حى سكنى ونبدء باحدى هذه القصص
شهد هذا الحى وبالاخص بوابته الاشهر باب زويلة قصة نهاية آخر سلاطين الدولة المملوكية العريقة التي قامت على أساس الجهاد في سبيل الله وبنوا مجدهم الأول بمعركة عين جالوت سنة 658هـ، وظلوا منذ هذه المعركة يحاربون التتار حتى ردوا عاديتهم عن الشام والحجاز ومصر، وقد انقسمت دولة المماليك لعهدين: عهد المماليك البحرية ثم عهد المماليك الشراكسة أو البرجية، والذي كان خاتمته السلطان طومان باي.
تولى رحمة الله علية السلطان الشهيد مقاليد الحكم فى السلطنة المملوكية الثانية الجركسية خلفا للسلطان الشهيد قنصوة الغورى الذى قتل فى المعركة الشهيرة المعروفة بمرج دابق حيث مات السلطان تحت سنابك الخيل العثمانى الوالجه بقوة الى داخل بلاد الشام ولم يتم العثور على جثة للسلطان وكان النظام الحاكم فى الدولة اللملوكية لا يعترف بنظام توارث العرش فتولى القائمقام طومان باى السلطنة فى مصر وحدها نظرا لانهيار الدولة اللملوكية فى الشام ما اشبة السلطان الشهيد بالسلطان قطز لكن مع تغيير التاريخ وندرة الرجال كان قطز محاط بطبقه فتيه محمى بدولة قوية وجهاد خالص لله ضد الاعداء اما طومان باى كان اخر الرجال المحترمين فمن حولة دولة تمتلى بالخيانه يراسها مماليك لا يعترفون بسلطانهم ودولة متهراه كان من حوله خاير بيك (خاين بيك) والزينى بركات وغيرهم من الحثاله اما هو فقد ندر نفسه لمقاومة الزحف العثمانى وانقاذ سلطنه مستقله منذ اكثر من 700 عام اعدم السلطان الصالح طومان باى وبكى علية المصريين ولعنه المماليك رغم انتماءه العرقى لهم .
الطرائف التى أطلقها العامة على باب زويلة
 المركبه الخشبية اعلى يمين البوابة
هناك اعتقاد سائد بين العامة فى المنطقة بأن روح المتولي الذي تحمل البوابة ايضا اسمه تسكن المصراع الشرقي للباب حيث عرف عنه انه يظهر فى عدة صور مختلفة وهو من الاولياء الذين كان الناس يطلبون مساعدتهم. ويقولون أيضاً أن باب المتولي نسب إلى شيخ تناولت كراماته الحكايات مثل الأساطير حيث قالوا أنه كان يطير من القاهرة إلى مكة ويعود دون أن يراه أحد.وكان الناس يقصدونه من أجل التبرك وتلبية الحاجات حيث كانوا يقومون بكتابة العرائض والشكاوى ويدسون أوراقها بين خشب الباب ومساميره وعندما كانوا يريدون استعطاف الوالي يلفون قطعا من القماش حول تلك المسامير ، ومن أهم القطع الاثرية التى مازالت موجودة في االبوابة القارب الخشبي الملون المعلق فوق باب زويلة ، وكان يعتقد بأنه قارب الخير والبركة الذى ينطلق منه المتولي بلا انقطاع ويفيض بخيره على كل من يعبر البوابة الخشبية الضخمة.
 على باب زويله الذى اسماه المصريين الى اليوم بوابه المتولى اى المتولى على مصر وشعبها لقد اعترفوا له بولايه رغم موته ويقال ان الحبل الذى ربط على عنقه انقطع ثلاث مرات حتى كانت الرابعه فاسلم الروح واليكم تفاصيل القصه كاملة قصة  طومان باى مع باب زويلة .... من هذا الباب التاريخي الشهير.. باب زويلة.. دخل المعز لدين الله, قبل ألف عام الى عاصمته الجديدة التي أمر بتأسيسها (القاهرة), وهنا أيضا على باب زويلة شنق طومان باي سلطان مصر وبطل نضالها, وقائد مقاوماتها ضد الغزو العثماني.. فمن بين كل أبواب القاهرة القديمة.. النصر, الفتوح, القراطين, سعادة, التوقين, الشعرية وغيرها من الأبواب التي بناها حكام مصر لترد عنهم كيد المعتدين, وليدق عليها الزائرون فتفتح لهم مصاريعها, واختلف علماء الآثار حول عددها, ولم يتبق منها سوى عدد محدود للغاية لا يتعدى أصابع اليد الواحدة, من بين كل هذه الأبواب, سيظل باب زويلة أكثرها شهرة وأوثقها ارتباطا بأيام لها تاريخ, أيام كانت فيها مصر مقرا للخلافة الاسلامية, فما هي حكاية باب زويلة؟ ولماذا سمي بهذا الاسم؟ وما هي قصة هذا السلطان الشهيد طومان باي الذي تولى السلطنة بعد قنصوه الغوري, ولمدة مائة يوم فقط, نادى فيها على الفتوات والصبيان الشطار ليشتركوا مع قوات المماليك في قتال الغزاة العثمانيين والدفاع عن بلادهم, فكتبوا أروع الملاحم بدمائهم في شوارع القاهرة, وكيف جرت وقائع شنقه؟ نروى كل هذا ولكن فى البداية نذكر تاريخ بناء البوابة .... لم تظهر فكرة بناء البوابات حول المدن في مصر سوى في عصر الدولة الفاطمية, عندما جاء جوهر الصقلي يقود قوات الخليفة المعز لدين الله من القيروان لدخول مصر, حيث قام بتأسيس مدينة القاهرة التي لم تعرف بهذا الاسم إلا بعد أربع سنوات من انشائها وعند قدوم المعز لدين الله الى مصر, حيث يذكر لنا المقريزي أن حصن القاهرة قد أطلق عليه في أول الأمر اسم المنصورية تيمنا بتلك الضاحية التي أنشأها المنصور والد المعز بجوار القيروان, ثم تغير الاسم الى القاهرة ثم أطلق عليها (القاهرة المحروسة) في عهد الخليفة الحاكم, إلا أنه في عهد المستنصر أصبح اسمها (المعزية القاهرة المحروسة) ثم تغير مرة أخرى الى المعزية القاهرة في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله. ومن المرجح تاريخيا أن يكون القائد جوهر الصقلي قد اختار لها هذا الموقع لاعتبارات عسكرية, ذلك أن جبل المقطم الذي يقوم ناحية الشرق منها يعتبر بمثابة خط دفاعي حصين وفرته الطبيعة, ولم يكن في المكان كله سوى دير قبطي قديم (دير العظام) وبستان جميل يعرف بحديقة كافور الذي حكم مصر قبل مجئ الفاطميين, وما أن وضع العمال القوائم الخشبية لتحديد الحصن الجديد أو القصر الجديد الذي سيكون مقرا للخليفة الفاطمي حتى حدثت واقعة لها العجب يحكيها لنا المؤرخون..
فقد وقف المنجمون المغاربة يتشاورون فيما بينهم لتحديد موعد بدء العمل, وكانت الاجراس معلقة على الحبال الممتدة من عمود لآخر, وذلك انتظارا للموعد الذي يحدده أولئك الحكماء, وحتى يبدأ العمال.. إلا أن شيئا ما قد حدث أصاب الجميع بالدهشة والذهول, إذ وقف طائر على طرف أحد الأعمدة, فأخذت جميع النواقيس تدق, ومن ثم بدأت المعاول تحفر, ولحظة دق الأجراس, كان كوكب المريخ في صعود, والمريخ أحد أسمائه هو القاهر.. ومن هنا بدأت أولى خطوات بناء القاهرة عبر الزمن!.
ومنذ أسس جوهر الصقلي مدينة القاهرة, كان حريصا كل الحرص على بناء سور حولها تتخلله ثمانى بوابات, ولجوهر أسباب عديدة لهذا, أهمها أن الدولة الفاطمية التي آل اليها حكم مصر كانت شيعية المذهب, بينما أهل مصر على المذهب السني, وهو مذهب الدولتين العباسية والأموية, ولهذا كان الحكام الفاطميون يخشون منذ اللحظات الأولى لحكمهم من ارتداد المصريين عن الولاء لهم والانضمام تحت لواء الدولة العباسية السنية المذهب, هذا الى جانب أن الفاطميين لم يكونوا في مأمن من غيرهم من الشيعة الذين كانوا يطمعون في أن يكون لهم نصيب في الخلافة وعلى رأسهم القرامطة, كما أن مصر في عهد الفاطميين أصبحت دارا للخلافة, وليست مجرد دار امارة, ولكل هذه الأسباب رأى جوهر الصقلي أن يحيط المدينة الجديدة بسور يقيه شر الأعداء ويحفظ للفاطميين هيبتهم ويمكنهم من إداء شعائرهم حسب المذهب الشيعي
وكانت القاهرة في السنوات الأولى من عمرها مدينة ملكية ارستقراطية, مقصورة على سكنى الخلفاء الفاطميين ورجال دولتهم وجندهم وعبيدهم, وكانت الدعوة الفاطمية ذات طابع سري في بدايتها, وأثر هذا على تصميم المدينة الجديدة أيضا.. وكان المصريون محرومين من دخول المدينة إلا بعد الاستئذان! وكان هذا الأمر يسري أيضا على سفراء الدول الأجنبية, فبمجرد وصولهم للمدينة, كان عليهم أن يترجلوا عن جيادهم, ويسيروا نحو القصر بين صفين من الجنود, كما أن الصناع والفنانين الذي يعملون داخل حصن القاهرة كانوا مطالبين بمغادرتها في آخر النهار!, ومن هنا يظهر لنا الغرض الحقيقي من بناء القاهرة والذي لخصه المقريزي بقوله:
(وضعت القاهرة في منزل سكنى للخليفة وحرمه وجنده وخواصه, ومعقل قتال يتحصن بها ويتجه اليها.. فقد كانت الأسوار والاستحكامات التي بناها جوهر تحيط بقصر الخليفة المعز ودواوين الحكومة ومساكن الجند وبيت المال ودار الأسلحة ومقابر الخلفاء).
ويصف رحالة ومؤرخ آخر وهو الفيلسوف الفارسي ناصر خسرو الوضع فيقول: (ويبدو هذا القصر من خارج المدينة كأنه جبل لكثرة ما فيه من الأبنية المرتفعة, وهو لا يرى من داخل المدينة لارتفاع أسواره, وهذا القصر يتكون من اثني عشر بناء, وله عشرة أبواب فوق الأرض, فضلا عن أبواب أخرى تحتها, وتحت الأرض باب يخرج منه السلطان راكبا, وهذا الباب على سرداب يؤدي الى قصر آخر خارج المدينة, و لهذا السرداب الذي يصل بين القصرين سقف محكم, وجدران القصر من الحجر المنحوت بدقة, تقول انها قدت من صخر واحد!).
وكانت حراسة القصر يقوم بها ألف رجل مسلح, وتقترن بعروض مهيبة, فبعد الاذان لصلاة العشاء يقوم الإمام بالصلاة, ويتقدم أحد الأمراء الى سلم القصر, وعند ا نتهاء الصلاة يصدر أمره لفرقة من قارعي الطبول ونافخي الأبواق أن يعزفوا, كما تعزف آلات أخرى قطعا موسيقية جميلة لمدة ساعتين, ثم يترك القصر ضابط معين خصيصا لهذا الأمر فيلوح برمحه ويقذف بها أولا الى الأرض عند المدخل, ثم يلتقطها ويغلق الباب ويسير حول القصر سبع مرات, وبعد أن يتم جولاته يقيم العسس الليلي, وكان المرور يمنع حتى الفجر.. وكانت مواكب الخلفاء الفاطميين ومرات ركوبهم في رمضان والعيدين ويوم عاشوراء من المشاهد القاهرية المهيبة. سبب التسمية
أما باب زويلة, فقد سمي بهذا الاسم نسبة الى قبيلة من البربر بشمال افريقيا, انضم جنودها الى جيش جوهر لفتح مصر.. وباب زويلة هو الباب الثالث الذي لا يزال يقاوم عوامل الزمن والاهمال بعد بابي النصر والفتوح, ويعتبر هذا الباب أجمل الأبواب الثلاثة وأروعها, وله برجان مقوسان عند القاعدة, وهما أشبه ببرجي باب الفتوح, ولكنهما أكثر استدارة, ويشغل باب زويلة مساحة مربعة, طول كل ضلع من أضلاعها (25 مترا) وممر باب زويلة مسقوف كله بقبة, وقد اختفت منه معظم العناصر الزخرفية.. وعندما بنى الملك المؤيد أبو النصر شيخ مسجده عام 818 هجرية, اختار مهندس الجامع برجي باب زويلة وأقام عليهما مئذنتي الجامع.. ويذكر المؤرخ الشهير (القلقشندي) الكثير عن باب زويلة, ويورد في كتابه (صبح الأعش) أبياتا من الشعر كتبها على بن محمد النيلي تتحدث عن عظمة هذا الباب, ومنها قوله:
يا صاح لو أبصرت باب زويلة               لعلمت قـــــــــــدر محله بنيانا
لو أن فرعونا رآه لم يــــــــــــرد            صرحـا ولا أوصى به هامانــا
ويطلق العامة على باب زويلة بوابة المتولي.. حيث كان يجلس في مدخله (متولي) تحصيل ضريبة الدخول الى القاهرة! أصل الحكاية
وهذه هي حكاية باب زويلة.. فماذا عن حادثة شنق السلطان طومان باي وتعليق جثته على الباب لمدة ثلاثة أيام؟..
إن حكاية طومان باي تبدأ بعد مقتل عمه السلطان الغوري في موقعة (مرج دابق) والتي اختفت فيها جثته ولم يعثر لها بعد على أثر!.. ولولا خيانة امراء المماليك لسلطانهم وقائدهم الغوري, لكان استطاع أن يهزم العثمانيين الزاحفين الى مصر, وأن يصدهم عن التقدم نحوها.. لكن الموقعة انتهت بهزيمة الغوري, وأخذت فلول جيشه تعود الى مصر, وأخذ جيش الغزاة العثمانيين يواصل زحفه الى مصر بقيادة السلطان سليم الأول, وساور الناس في مصر القلق, وأصبحوا في حيرة على المستقبل, وأثار بعض المماليك فتنة.. وتم نهب خان الخليلي, وقتل من فيه من التجار الأروام بحجة انتمائهم الى العثمانيين, وشماتتهم في مقتل الغوري, الذي كان قد عين ابن أخيه (طومان باي) نائبا له قبل خروجه لقتال العثمانيين, وبعد قتله, أجمع أمراء القاهرة على اختيار الأمير طومان باي سلطانا للبلاد.. لكنه امتنع لحرج الموقف وقلة المال وضعف وسائل الدفاع وتفرق قلوب الأمراء والجند, ثم عاد ووافق بعد إلحاح, وبعد أن أقسم أمراء المماليك أمامه على المصحف على عدم خيانة سلطانهم الجديد, وأخذ يعد العدة لمواجهة الغزاة.. ولم يعتمد طومان باي على المماليك وحدهم, وإنما حرص على أن يشترك أبناء القاهرة في الدفاع عن وطنهم, وكان معسكر تجمع القوات المصرية عند منطقة (الريدانية) وهي حي العباسية الآن وكان من رأي طومان باي أن يخرج بقواته لقتال العدو قبل أن يصل الى القاهرة, لكن الأمراء لم يطيعوا وفضلوا الانتظار حتى يقتحم عليهم العدو ديارهم, ويشير ابن إياس أن طومان كان يرتدي رداء الحرب ويحمل الحجارة مع البنائين والتراب مع الفعلة أثناء حفر الخنادق, ويصف ما جرى يوم معركة الريدانية وهو يوم الأربعاء 28 من ذي الحجة سنة 92 2 هجرية فيقول: (وصلت طلائع عسكر ابن عثمان عند بركة (الحاج) بضواحي القاهرة, فاضطربت أحوال العسكر المصرية, وأغلق باب الفتوح وباب النصر وباب الشعرية وباب البحر.. وأغلقت الأسواق, وزعق النفير, وصار السلطان طومان باي راكبا بنفسه وهو يرتب الأمراء على قدر منازلهم, ونادى للعسكر بالخروج للقتال, وأقبل جند ابن عثمان كالجراد المنتشر, فتلاقى الجيشان في أوائل الريدانية, فكان بين الفريقين معركة مهولة وقتل من العثمانية ما لا يحصى عددهم). ويستطرد ابن إياس فيقول: (ثم دبت الحياة في العثمانية, فقتلوا من عسكر مصر ما لا يحصى عددهم. وكان ذلك بارشاد بعض الأمراء الخونة.. لكن السلطان طومان باي ثبت وهو يقاتل بنفسه في نفر قليل من العبيد الرماة والمماليك السلحدارية, ثم تكاثرت عليه العثمانية ورأى العسكر قد قل من حوله, خاف أن يقبضوا عليه, فطوى (السنجق السلطاني ـ أي العلم واختفى جهة طره).
ودخل العثمانيون مدينة القاهرة في اليوم الثاني للمعركة وخطب باسم السلطان سليم شاه على منابر المساجد, إلا أن طومان باي لم يستسلم وراح ينظم الصفوف وانضمت اليه جموع حاشدة من فتيان القاهرة وشجعانها, واستمرت المواجهات بين طومان باي وبين العثمانيين فترة طويلة شهدت فيها شوارع القاهرة وأحيائها القديمة معارك وهجمات المقاومة الشعبية ضد العثمانيين, وفي واحدة من هجمات المقاومة الشعبية والتي جرت في بولاق, كاد أن يقتل سليم الأول بعد أن أحاط طومان ورجاله بمعسكره وأخذوا يرجمونه بالنيران والحجارة, وفي مرحلة من مراحل المقاومة ضد الغزاة, اتخذ طومان باي من جامع شيخون مركزا للمقاومة الشعبية, وهذا الجامع يقع في شارع شيخون بالجمالية, وكان يسمى قديما شارع (الصليبة) وعرفت المنطقة من حوله بمنطقة الصليبة, وقد دارت في هذه المنطقة معارك عنيفة بين قوات المماليك والعثمانيين استبسل فيها طومان باي ثم هرب وانسحب بعد أن تأكد أن ميزان القوة لم يعد في صالحه. وبعد هربه أحرق العثمانيون جامع شيخون والبيوت من حوله, وقتلوا أكثر من عشرة آلاف من العامة والغلمان, ورغم بشاعة هذا الانتقام إلا أن المقاومة لم تنته, واستمر طومان يحشد الرجال لصد الغزاة, الى أن كانت المعركة الأخيرة التي وقعت عند منطقة وردان (إمبابة الآن) وأحرز فيها عسكر مصر انتصارات في البداية, إلا أن العثمانيين قد انتصروا في النهاية لتفوقهم في العدد والعتاد, وكانت تلك هي المعركة الفاصلة التي أنكسرت بعدها المقاومة, وأخذ طومان باي يبحث عن مكان يلجأ اليه حتى لا يقع في أيدي غريمه السلطان سليم الأول, ولجأ الى صديقه شيخ العربان (حسن بن مرعي) والذي كان قد أخرجه من السجن الذي دخله أيام السلطان الغوري, ولكن شيخ العربان وشى به.. وأبلغ عنه السلطان سليم! الذي أعجبته شجاعته وصلابته في حواره الأخير معه, إلا أنه أمر في النهاية بشنقه..
ليلة شنق طومان وكان المؤرخ المصري ابن إياس شاهد عيان على ما حدث وقدم وصفا دقيقا لوقائع يوم شنق طومان باي قال فيه: (عند باب زويلة توقف ركب السلطان الأسير طومان باي.. كان في حراسة 400 جندي من الانكشارية.. وكان مكبلا فوق فرسه.. وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر..
وتطلع طومان باي الى (قبو البوابة) فرأى حبلا يتدلى, فأدرك أن نهايته قد حانت.. فترجل.. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة.. ثم توقف وتلفت الى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة.. وتطلع اليهم طويلا.. وطلب من الجميع أن يقرأوا له الفاتحة ثلاث مرات.. ثم التفت الى الجلاد, وطلب منه أن يقوم بمهمته).. وبشنق السلطان طومان باي استتب الأمر للسلطان سليم بمصر والشام وأقام في القاهرة لفترة رتب خلالها أحوالها ودبر أمورها, وأمر بحمل أموال مصر وذخائرها وتحفها ونفائسها ومخطوطاتها الى عاصمة ملكه, وجمع مئات من الصناع والعمال وذوي الخبرة وأهل الحرف وقام بترحيلهم الى القسطنطينية, وغادر مصر الى عاصمة ملكه بعد ثلاثة أشهر من شنق طومان باي الذي بقيت سيرته كبطل قومي ورمز للمقاومة, وبقى سيفه المحفوظ في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة, والذي يحمل ألقابه مكتوبة بالذهب.. وهي السلطان العادل أبو النصر طومان باي.. سلطان الاسلام والمسلمين.. أبو الفقراء والمساكين.. قاتل الكفرة والمشرطين.. محيي العدل في العالمين