الحكاية الثانية

" مسجد المؤيد شيخ " .. سجن يتحول لأجمل مساجد القاهرة
.خلف باب زويلة بالقاهرة القديمة وعلى بعد خطوات قليلة يقع مسجد ضخم بمئذنتين تقعان أعلى أبراج الباب.. هو مسجد "المؤيد شيخ" الذي يعد من أجمل وأضخم المساجد الجامعة بالقاهرة.وايضا يعتبر من اعظم ما ترك المماليك من اثار وزخارف اسلامية هذا المسجد الفريد الذي يقول فيه المقريزي:" فهو الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه، وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان..".
وفي جولة داخل المسجد تقترب من أجمل ما خلفه العصر المملوكي من تحف معمارية .
بنى المسجد السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري الذي كان من مماليك السلطان الظاهر برقوق، قبل أن يتحقق له ملك مصر. وترجع قصة بناء المسجد إلي أن "المؤيد" قد حُبس في خزانة شمال مصر التي كان يسجن فيها المجرمين، وذلك أيام تغلب الأمير منطاش وقبضه على المماليك الظاهرية، وحدث أن قاسى "المؤيد" في ليلة من البق والبراغيث، فنذر لله تعالى إن تيسر له ملك مصر أن يجعل هذه البقعة مسجدا لله عز وجل، ومدرسة لأهل العلم، وقد أوفى بنذره.وفي رواية أخرى ان سبب سجن المؤيد هو وصول وشاية للسلطان برقوق بأن المؤيد يريد أن يقوم بانقلاب علي الحكم فأمر بسجنه في هذا المكان.
جلب "المؤيد شيخ المحمودي" إلى مصر عبدا؛ بواسطة التاجر محمود اليزدي، واشتراه السلطان برقوق قبل أن يرتقي العرش ، وعندما أصبح برقوق سلطانا، أعتق المؤيد شيخ وجعله خاصكيا ثم ساقيا ثم حاملا للكأس.ورقاه السلطان ناصر فرج فيما بعد لمنصب نائب الوصي على العرش لطرابلس (الشام)، وقد أسـره وسجنه تيمور لنك ولكنه تمكن من الهرب والعودة إلى مصر.ثم عين نائب الوصي على العرش لدمشق، وتطلع إلى إسقاط السلطان الناصر فرج؛ وتمكن من قتله. وأعاد "المؤيد شيخ" الخليفة العباسي إلى السلطة، وشاركه السلطة لشهرين ثم أسقطه في عام 815هـ / 1412م؛ وأعلن نفسه سلطانا. وكان "المؤيد شيخ" مشهورا في شبابه بالفروسية ولعب البولو والمبارزة. ولكن ختم حياته مقعدا بسبب مرض المفاصل .الملك المؤيد كان سلطان ذكى و شجاع و متدين و بيحب العلم و الشعر و الأدب و كان هو نفسه بيكتب شعر ، و اظهر قدرات عاليه فى ادارة شئون البلاد و فى القياده العسكريه و فى محاربة الأعادى فى الشام ، و هو السلطان الوحيد بعد الظاهر بيبرس اللى وصل الجيش المصرى فى عهده للأبلستين فى اسيا الصغرى و بقت مدن و قلاع فى اسيا الصغرى تحت سيطرة مصر فكان بيتلقب كمان بسلطان الروم.
 اتعرف المؤيد بالتواضع و التقشف و كان بيظهر و هو لابس هدوم الصوفيين و كان بيقعد ساعات على الأرض من غير سجاده ولما مره دعت له الناس بعد صلاة الإستسقاء . المؤيد كان بيعانى من وجع مزمن فى رجله فكان ساعات وقت تنقلاته خاصة فى أخر حياته بيقعد على نقاله أو بيتشال ، استمر حكم الملك المؤيد حتى وفاته يوم الإتنين 13 يناير سنة 1421 بعد ما حكم تمن سنين و خمس تشهر و ست تيام و هو عنده خمسه و ستين سنه.تزوج الملك المؤيد من سيدة اسمها " سعادات "  بعد كده ، و خلف ابناء كان منهم " ابراهيم " اللى قاد الجيش فى اسيا الصغرى و  اتوفى فجاءه بعد رجوعه مصر و هو أكبر شويه من عشرين سنه ودفن فى المسجد المؤيد ، و خلف " احمد " اللى اتسلطن بعده و هو عنده اقل من سنتين فبقى اصغر سلطان قعد على عرش مصر ، وخلف " موسى " اتوفى و هو رضيع ، و خلف كمان بنتين " ستيته " و " آسيه ". مدفونتان فالجهة الاخرى من المسجد نفسه .ولكن ليس كل ما يذكر عن السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري هى سيره طيبة ولكن من باب ذكر كل ماوصل الينا نذكر ما قاله كلا من المقريزى وابن تغري بردي  فى كتابهما عن هذا السلطان المتناقض السيره فسنجد أن المقريزي في تناوله لسيرته يميز بين صفاته الشخصية وممارسته لحكم المسلمين، فيتفق دون تحفظ مع ابن تغري بردي على أن المؤيد كان “شجاعا مقداماً يحب أهل العلم ويجالسهم ويجل الشرع النبوي ويذعن له ولا ينكر على طلب من إذا تحاكم إليه أن يمضي من بين يديه إلى قضاة الشرع بل يعجبه ذلك وينكر على أمرائه معارضة القضاة في أحكامهم، وكان غير مائل إلى شئ من البدع وله قيام في الليل إلى التهجد أحياناً”. ومن محاسنه الشخصية ينتقل المقريزي إلى قائمة مطولة من السوءات وجميعها غير مكذوب وتؤيده فيما ذهب إليه الأحداث والوقائع التاريخية حيناً، وما قاله ابن تغري بردي نفسه دفاعاً عن المؤيد حيناً آخر.
فيقرر المقريزي أن السلطان “كان بخيلاً مسيكاً يشح حتى بالأكل ، لحوحاً غضوباً نكداً حسوداً معياناً ، يتظاهر بأنواع المنكرات فحاشا سبابا شديد المهابة حافظاً لأصحابه غير مفرط فيهم ولا مطيع لهم”. وإذا كان ابن تغري بردي يعارض المقريزي فيما وصف به المؤيد من الشح مؤكداً أن سلطانه كان يشح فقط على أولئك الذين لا يعجبونه!! فإنه في مؤلفه الضخم” النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”، أورد ما يؤكد أن المؤيد شيخ كان بالفعل، لا ادعاء يتظاهر بأنواع المنكرات فحاشاً سباباً”. فهو أولاً يتظاهر بشرب الخمر من قبل أن يلي السلطنة، كما تشير إلى ذلك حادثة غضب سيده ومعتقه الملك الظاهر برقوق التي تكررت كثيراً ، وفي كل مرة كان برقوق يضرب مملوكه شيخ ضرباً مبرحاً” لانهماكه في السكر وعزره وهو لا يرجع عما هو فيه “ . وعندما أصبح سلطانا لم يتورع عن إتيان هذا الفعل علانية، فيذكر عنه أنه في الثاني والعشرين من صفر عام 821 هـ نزل من القلعة لعيادة الأمير الطنبغا القرشي لمرض ألم به ثم عرج على بيت جقمق الدوادارد” فأقام يومه كله وعاد من آخر النهار إلى القلعة على حالة غير مرضية من شدة السكر”. كما كان المؤيد مقامراً يلعب الورق، وقد اشترى بما ربحه من القمار في إحدى المرات مملوكا له هو أقباي الذي أصبح فيما بعد نائباً حلب حتى قتله السلطان عام 820هـ. وقد اتهمه المقريزي بأنه من “أكبر أسباب خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن أيام نيابته بطرابلس والشام، ثم ما أفسده في أيام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط أتباعه على الناس يسومونهم الذلة ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل ولاناه من دين”. أما الأسوأ من كل ما سبق فهو استيلاؤه على الأموال بطريقة لا تخلو من دهاء حيث اعتمد على مجموعة من المعاونين الذين تخفى وراءهم وكأنه ليس مسؤولا عن أفعالهم . وقد فطن المقريزي إلى تلك الحيل وكان دقيقاً حينما قال إن المؤيد دأب على “تسليط أتباعه على الناس يسومونهم الذلة ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل ولاناه من دين”.
والان نعود لوصف اعظم حسنات هذا السلطان والذى لا اختلاف عليه وهو  المسجد أول ما تشاهده
حينما تقترب من المسجد هو باب المسجد الذي يُعد من التحف الفنية وهو في الأساس باب مدرسة السلطان حسن ولكن "المؤيد" قد اشتراه مع تنور نحاس مكفت ليضمه للمسجد.ويعتبر المسجد تحفة معمارية تدل على عظمة عمليات التشييد في العصر المملوكي . ومنذ ترميمهما قبل عدة سنوات وهما يحظيان بإقبال الزائرين الأجانب ليقفوا على حجم إعجاز عمارته وبنيانه الذي يضارع بمساحته وعمارته كبرى المساجد التاريخية في العالم الإسلامي كله.وعلى الرغم من ان المسجد أنشأه السلطان المملوكي المؤيد أحد سلاطين دولة المماليك الجراكسة، إلا أنه يجمع في الوقت نفسه طرزا معمارية تحاكي عمارات عصور إسلامية متعددة سابقة له ولاحقة عليه، حيث كان مهندسه سباقا في عمارته لعصور تالية، فضلا عن أنه أراد أن يحاكي عمارة الفاطميين السابقة له.يتكون المسجد والمدرسة من صحن أوسط تحيط به 4 ايونات أكبرها إيوان القبلة، ويتألف من ثلاثة أروقة، بينما تتألف الثلاثة ايونات الأخرى من رواقين فقط.
وللمسجد أربعة حدود، الحد الجنوبي الشرقي، يطل على شارع المعز لدين الله، وبه الواجهة الرئيسة والباب الرئيس، والحد الشمالي الشرقي يطل على حارة الأشرفية، التي كانت تؤدي إلى باب الفرج. والحد الشمالي الغربي به الحمام والميضأة ومساكن طلبة المدرسة، فيما يطل الحد الجنوبي الغربي على شارع «تحت الربع»، والزاوية الجنوبية للجامع متداخلة مع البرج الغربي لباب زويلة الشهير.
افتتح المسجد قبل 600 عام تقريبا، فقد تم تشييده في ربيع الآخر من عام 818 هجرية، بعدما شرع صاحبه في حفر أساسه يوم الخميس، الرابع من جمادى الأخرى من نفس العام، وأقيمت أول خطبة جمعة فيه بتاريخ 2 جمادى الأول، ولم يكن قد اكتمل فيه سوى إيوان القبلة.
ويوم افتتاح المسجد نزل السلطان المؤيد إلى صحنه، وأقام احتفالا كبيرا بهذه المناسبة، جمع فيه الأمراء وخلع عليهم الخلع الثمينة. وكان ذلك قبيل اكتمال الجزء الأخير للجامع، حيث توفي السلطان المؤيد قبل اكتمال أجزائه، ومنها القبة الغربية، وكذلك مساكن الصوفية، إلا أن كاتب السر الذي تولى الأشراف على أعمال العمارة بعد وفاة السلطان أكمل الأجزاء الباقية. وبعد الولوج من بوابة المسجد الضخمة ترى ضريح "المؤيد"، والى جواره ضريح ابنه ابراهيم الذي مات صبيا. وعند الدخول من باب المسجد الرئيسي نجد على اليسار سبيل للمياه كان يستخدم قديما فى إرواء ظمأ رواد المسجد وعابري السبيل.
المنبر
ويتمتع المسجد بصحن داخلي ضخم نصفه مسقوف وهو بجوار المحراب والمنبر ويقع أمام المنبر جزء منه مرتفع عن الأرض كان يقف عليه "المبلغ" وذلك للترديد وراء الإمام في الصلوات لكي يسمعه الناس على امتداد المسجد.
ويتميز المسجد بقبة داخلية ضخمة يبلغ إرتفاعها تقريبا أربعون مترا، ويتوسط صحن المسجد ميضأة دائرية كان المصلون ولا زالوا يستخدمونها فى اغراض الوضوء .
رواق القبلة مغطى بسقف خشبي تعلوه زخارف نباتية ليس لها بداية أو نهاية، وأسفل الزخارف شريط كتابي عليه آيات قرآنية بالخط الثلثي المملوكي مطلية بماء الذهب وجميعها تحث علي إقامة الصلاة.
تعلو الشبابيك الرئيسية شبابيك عليا مصنوعة من الجبس الأبيض وبها زجاج معشق بالألوان.
وكان لمجموعة "المؤيد شيخ" ثلاثة مآذن، اثنان فوق باب زويلة واللتان تشكلان الآن أبرز معالم البوابة، ومئذنة ثالثة مختلفة الشكل قرب المدخل الغربي ولكنها اختفت في القرن التاسع عشر.
وكان المهندس الذي أسس المسجد ويقال أن اسمه محمد القزاز، قد انتهز فرصة وجود برجى باب زويلة فهدم أعلاهما وأقام مئذنتى المسجد عليهما .
وقد زوَّد السلطان المؤيد المسجد بخزانة كتب عظيمة تحوي كتبًا في مختلف العلوم والفنون، وهو ما أورده المؤرخ المقريزي، فيُذكر أن السلطان المؤيد شيخ نزل إلى المسجد ودخل خزانة الكتب التي عُملت هناك وقد حمل إليها كتبًا كثيرةً في أنواع العلوم كانت بقلعة الجبل وقدَّم له القاضي ناصر الدين البارزي خمسمائة مجلد، قيمتها ألف دينار فأقر السلطان المؤيد شيخ ذلك بخزانة الكتب بمسجده.
عن المسجد يقول المقريزي: "هذا الجامع بجوار باب زويلة من داخله. كان موضعه خزانة شمائل حيث يُسجن أرباب الجرائم، وقيسارية سنقر الأشقر، ودرب الصغيرة، وقيسارية بهاء الدين أرسلان".
ويوضح المقريزي: "وأول ما ابتدئ في أمر هذا الجامع: أن رُسم، في رابع شهر ربيع الأول سنة ثمان عشر وثمانمائة، بانتقال سكان قيسارية سنقر الأشقر التي كانت تجاه قيسارية الفضائل. ثم نزل جماعة من أرباب الدولة في خامسه من قلعة الجبل، وابتدئ في الهدم في القيسارية المذكورة وما يجاورها، فهُدمت الدور التي كانت هناك في درب الصغيرة، وهُدمت خزانة شمائل. فوُجد بها من رمم القتلى ورؤوسهم شيء كثير..."
بينما يصف المؤرخ بدر الدين العيني، ألقاب السلطان المؤيد فيقول: "ولم يذكر لقب من ألقاب السلاطين مثل ما ذكر هذا اللقب، ففيه إشارة عظيمة لمولانا السلطان المؤيد – خلد الله ملكه – حيث خصه الله بهذا اللقب الشريف، وقد ذكرنا أن وضع الألقاب إلهام من الله تعالى، كما قيل الألقاب تنزل من السماء، وفيه دلالة على (أنه) مقوى على أعدائه، فإذا كان هو مؤيدا – بفتح الياء – ، فكذا هو مؤيد – بكسر الياء – يعني يؤيد شرائع النبي صلى الله عليه وسلم ويقوي أحكام الدين. وقد اجتمعت فيه هذه المحاسن، وهي: اسمه الشريف شيخ الذي يدل على ما ذكرنا (من) أنه شيخ الملوك والسلاطين، وكنيته الشريفة أبو النصر التي تدل على ما ذكرنا (من) أن النصر صار جزءا منه وأنه لا يفارقه، ولقبه الشريف المؤيد الذي يدل على أنه مؤيد من عند الله، ومؤيد لدينه وشرائعه."
قد ظل المسجد قائما حتي قيام الدولة العثمانية، واثناء ولاية أحمد باشا كان هناك مجموعة من الخارجة عن الحكم احتمت بالمسجد، فأمر الوالي بضربهم بالمدفعية ونتج عن ذلك أن تهدم ثلاثة أروقة من المسجد.وقامت هيئة الأوقاف بزراعة المكان بعدد من اشجار الزينة والفاكهة لحين دخول المسجد مرحلة الترميم.
ومؤخرا قامت وزارة الثقافة بترميم المسجد وإعداده للزيارة السياحية بتكلفة 12 مليون جنيه في إطار المشروع القومي لإنقاذ آثار القاهرة التاريخية. وقد استغرق ترميم المسجد 6 سنوات وتضمن ترميم الأجزاء الأصلية خاصة إيوان القبلة والمداخل والقباب والمدرسة بالاضافة الي احياء العناصر المندثرة من المسجد وفي مقدمتها بناء الايوانات الثلاثة المكملة للجامع. وتم افتتاحه بعد تجديده في يوليو 2007 .
"المؤيد شيخ" يعتبر من المساجد المعلقة وكان يستغل اسفل المسجد كحواصل ينفق ريعها علي المسجد بالكامل. واهم العلمات المميزه فيه
مأذنتا المسجد ، القبة الضريحية ، قبة المسجد ، الميضأة ، دكة المبلغ ، المحراب ، المنبر ، ضريح المؤيد ، رواق القبلة